استضافت مصر هذا الأسبوع مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل وحماس، أفضت – بحسب الكاتب ديفيد باتر – إلى اتفاق لتنفيذ المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء حرب غزة. تتضمن هذه المرحلة إعادة جميع الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في القطاع، والإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين، وانسحابًا جزئيًا للقوات الإسرائيلية.
أدار الجانب المصري المفاوضات بالتنسيق مع مسؤولين من قطر وتركيا والولايات المتحدة، في إطار سياسة القاهرة التي تفضّل الحلول الجماعية لتجنب تحمل مسؤولية غزة منفردة، وهو موقف تؤكد فيه أن إدارة القطاع شأن فلسطيني في الأساس، مع دعم دولي. كما شددت على رفضها المطلق لأي تهجير جماعي للفلسطينيين نحو سيناء.
بحسب تشاتام هاوس، فإن انخراط مصر في جهود السلام ظل محدود الظهور رغم نشاط أجهزتها الأمنية والدبلوماسية خلف الكواليس. غير أن نجاح المرحلة الأولى من خطة ترامب سيجعل من القاهرة لاعبًا أساسيًا في المراحل التالية. يسعى نظام رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي للمساهمة المزعومة في إعادة الإعمار، لكنه يواجه في المقابل مخاوف أمنية حقيقية من التورط في التزامات طويلة المدى دون دعم كافٍ من القوى الإقليمية والدولية.
شهدت العلاقات المصرية الأمريكية توترًا منذ مطلع العام، حين ألغى السيسي زيارة كانت مقررة إلى واشنطن بعد إعلان ترامب عن مشروع "ريفييرا غزة"، واكتفت القاهرة بالتواصل المحدود مع الإدارة الأمريكية منذ ذلك الحين. وأدّى ذلك إلى تسريع إعداد خطة مصرية بديلة لإعمار القطاع. ويرى مراقبون أن زيارة ترامب المرتقبة للمنطقة بمناسبة إطلاق المرحلة الأولى من خطته قد تكون فرصة لإعادة ضبط العلاقات بين الجانبين.
أما العلاقات المصرية الإسرائيلية، فانحدرت إلى أدنى مستوياتها بعد كلمة السيسي في الدوحة في 15 سبتمبر، والتي ندد فيها بمحاولة إسرائيل الفاشلة لاغتيال قادة من حركة حماس في العاصمة القطرية. وزادت التوترات مع تعزيز مصر وجودها العسكري في سيناء، وهو تحرك تراه إسرائيل مثيرًا للقلق، بينما تصفه القاهرة بإجراء دفاعي لمنع أي محاولة إسرائيلية لطرد الفلسطينيين نحو حدودها الشرقية.
يحذر باتر من أن أي تورط أمني مصري واسع في غزة قد يضر بالتعافي الاقتصادي المحلي، خصوصًا مع تحسن تدفقات الاستثمار الأجنبي وازدهار قطاع السياحة مؤخرًا. ويضيف أن زيادة الاحتكاك مع إسرائيل قد تخلق مناخًا سلبيًا للمستثمرين.
وتعتمد مصر بشكل كبير على الغاز الطبيعي المستورد عبر خطوط الأنابيب من إسرائيل، مع اتفاق لزيادة الكميات خلال الفترة المقبلة، رغم ارتفاع تكلفة الغاز المسال الذي تستورده من مصادر أخرى.
تتضمن خطة ترامب مضاعفة المساعدات لغزة وفتح معبر رفح في الاتجاهين، لكنها لا توضح كيفية التعامل مع الوجود العسكري الإسرائيلي في الجانب الغزاوي من المعبر أو في ممر فيلادلفيا. وتشير فقط إلى أن "قوة الأمن الدولية" ستتعاون مع مصر وإسرائيل لتأمين الحدود وتدريب قوات شرطة فلسطينية جديدة، دون تحديد هيكل القوة أو مصادر تمويلها.
وتطرح الخطة آلية غامضة لنزع سلاح حماس، إذ تنص على منح العفو لأعضاء الحركة الذين يتخلون عن العنف ويسلمون أسلحتهم، وتوفير ممر آمن لآخرين يغادرون غزة. إلا أن غياب آلية تنفيذ واضحة يثير تساؤلات حول واقعية هذا المسار، في ظل رفض القاهرة تحمّل تبعات أمنية قد تذكّرها بتجربتها السابقة في حكم غزة بعد عام 1948، وهي تجربة انتهت بنكسة 1967 واحتلال سيناء.
وبين رغبتها في لعب دور فاعل في تسوية الصراع وحذرها من الوقوع في فخ التزامات أمنية طويلة، توازن مصر اليوم بين طموحها الإقليمي ومصالحها الوطنية الدقيقة، في وقت تبدو فيه خطة ترامب بحاجة ماسة لدورها كي لا تتحول إلى مجرد حبر على ورق.
https://www.chathamhouse.org/2025/10/egypt-crucial-trumps-gaza-plan-fears-security-vacuum-after-israeli-withdrawal